السبت، 7 يناير 2023

قضيت الفترة الماضية في القراءة عن السحر في مصر القديمة.. للأسف لم أهتدِ إلى كتاب عربي كافٍ، ولعل ما قرأته في اللغات الأجنبية قدم تفسيرا بصورة ما!المصدرين الرئيسيين كانا كتاب جيرالدين بينش Magic in ancient Egypt وورقة فريدهيلم هوفمان المنشورة كفصل مستقل في كتاب كامبريدج عن تاريخ السحر الغربي [ليسا مترجمين، والصحيح ألا يترجما!]. كتاب جيرالدين خاصةً من المراجع الرئيسية للباحثين في الشيطانيات Demonology عامةً، وفي التقاطع بين هذا المجال وعلوم المصريات.
خلاصة ما عرضه الاثنان، خاصة جيرالدين بتفاصيلها المخيفة من البرديات والتمائم والعصي والتماثيل: أن السحر (حكا) كان هو الدين المصري نفسه بصورة ما، أو على الأقل جزءا لا يتجزأ منه. أكبر السحرة هم أنفسهم أكبر الكهنة وحذاقهم. وليس كل السحر المستعمل كان شرا كما يعتقد البعض: هم كانوا يستعملون السحر لجلب المنافع عامة، مثل العلاج من المس، بل وإعطاء جرعة (روحية) للعلاجات المادية نفسها، ولم يكن من المحترم أن تستعمله لجلب الشر للآخرين ما لم يكونوا أعداء الدولة والنظام.
التفاصيل مذهلة صراحة: مثل استدعاء خادم سحر، وكتابة اسم المسحور ونسبته لأمه واسم شهرته، والأحجبة والتمائم، والعصي السحرية المنقوشة بصور لشياطين، والتحذير من وقوع أسرار التعاويذ والأسرار الكبرى لغير الكهنة الكبار (السحر كان مستعملا شعبيا لكن هناك منه أصناف شديدة ومخيفة يجب ألا تُعرف وتصير لعبة بين الناس). حتى تفاصيل استدعاء الساحر للكيان الذي يمس إنسانا ما (الآخ)، أو استدعائه لخادم سحر، أو نمط التعويذة نفسه مثل (تعالوا حالا حالا)، كلها كانت موجودة معروفة عندهم.
الحقيقة لا يحسن أن يُنقل الكتاب إلى العربية. أعرف أن الموجود من كتب السحر المتداولة بين الناس مثل شمس المعارف فيه أضعاف ما في كتاب جيرالدين، الذي لم ينقل كاملا إلا مقاطع قصيرة، لكن ترجمة مقاطع التعاويذ المنقولة كاملة ليس من الحكمة.
أخيرا.. هذا جانب لم أكن أنظر إليه بجدية قبل قراءة هذه التفاصيل.. والأمر شديد فعلا وليس بالهزل. كبار كهنة المصريين القدماء كانوا على اتصال بعالم الجان، سواء خيِّر الجان، أو شريره، وهو اتصال لعله لم يتكرر أبدا بنفس هذا النطاق الواسع. ولا يعني هذا نُكرِ إنجازاتهم المادية والإدارية والسياسية عامة، كما يصنع البعض، ولا حتى ضرورة التعامل بعدائية مع كافة المصريين القدماء، كما يفعل البعض الآخر، فالمعيار الأخلاقي نفسه كان موجودا، ومن الجان خيِّرٌ وشرير كما نعتقد نحن كمسلمين.
لكن على أي حال، تناول مسألة السحر عندهم موضوع خطير، لم أعد أقتنع باستعراضه التسطيحي أو التقليل من شأنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق