الجمعة، 6 يناير 2023

منذ بداية تضخُّم الاقتصاد الأمريكي وتحولها من دولة زراعية قائمة على الفلاحين (وقد كان هذا حلم الرئيس الثالث جيفرسون، أن تظل دولة فلاحين للأبد) إلى دولة مالية - صناعية (الثلث الأخير من القرن التاسع عشر)، والبلد تمر بأزمات اقتصادية دورية، تارة في عصر أزمة المزارع في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتارة في الكساد والذعر المالي في التسعينيات، ثم عصر ضرب النقابات والشيوعية في عشرينيات القرن العشرين، ثم في الكساد الكبير بالثلاثينيات.وحتى مطلع الحرب العالمية الثانية، كان نظام روزفلت ومنظومة (الصفقة الجديدة) في ورطة وأزمة، وجاءت الحرب كطوق نجاة لأمريكا اقتصاديا، وكسر نهائي لعزلتها التي فرضتها على نفسها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
أبرز ما حدث من منظومة (ما بعد الحرب العالمية الثانية) الاقتصادية العامة والتي نعيش في ظلها إلى اليوم، هو بدء الآلة الجبارة للعولمة الاقتصادية، وتحول أمريكا إلى حاكم تلك المنظومة بأدوات نفوذ متنوعة وحيل سياسية واقتصادية واسعة، وبدعم من جيشها العملاق.
الناتج الأوضح لتلك المنظومة، بعدما اكتملت في تسعينيات القرن الماضي، أن الأزمات الاقتصادية الدورية الأمريكية -وباء النظام الرأسمالي المحض- صارت تُصدَّر إلى العالم، وندفع نحن ثمنها. أزمة عام 2008 دفع العالم ثمنا أفدح مما دفعت أمريكا، ثم أزمة هذا العام، تُظهِر أمريكا للعالم كله، وحتى أقرب حلفائها، أنها تعمل بانفراد كامل من أجل علاج تضخُّمها ومشكلاتها، بتدمير الاقتصادات حتى الأوروبية المقربة والصديقة، ودون اعتبار لأي معارضة!
المنظومة الحالية مُدمِّرة للعالم، فحتى لو مررنا مما يجري الآن، تأكد أن النظام الأمريكي سيواجه أزمات أخرى خلال سنوات، والثمن سيدفعه الناس جميعا كالمعتاد.
روسيا (أبرز متحدٍّ لهذه المنظومة بعدما فُرِضَ عليها أن تتحدى) أعجز من أن تنكِّل فيه تنكيلا بعيد المدى، فقد كانت تحتاج معها الصين على الأقل، والصينيون أعجز إلى الآن من تحدي أمريكا تحديا صفريًّا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق